الجزيرة

10‏/09‏/2011

غربة الإصلاحيين..!


الهم المعيشي




أؤكد على أن الفساد السياسي هو السبب المباشر في كل هذه القضايا المعيشية٬ وأتفق مع الإصلاحيين في هذا تمام الإتفاق٬ ولكن: هل يعرف المواطن البسيط الذي يبحث عن لقمة يسد بها رمق أطفاله أن الفساد السياسي هو السبب في فقره..؟


يتصور البعض أن الغربة التي يعاني منها التيار الإصلاحي والبون الشاسع بين خطابه وبين هم المجتمع السعودي يعود للجهل السياسي المتفشي في المجتمع..!٬ وهذا خطأ قاتل واتكالية غير مبررة ولا مفهومة!٬ فالهم السياسي في كل المجتمعات - حتى تلك المجتمعات التي تحكمها الديمقراطية - هو هم نخبوي٬ والهم الإقتصادي والمعيشي هو الهم الذي يؤرق المجتمعات ويقض مضجعها.!٬ وللأسف أن الخطاب الإصلاحي لم ينجح في ربط الهم الإقتصادي بالهم السياسي!٬ حتى تتشكل تصورات واضحة لدى المجتمع السعودي بأن الفساد السياسي هو السبب "المباشر" لما يكابد في همومه المعيشية..!





بعد نجاح الثورة في مصر قام عدد من الشباب المصري بإعداد برنامج "دليل المواطن لفهم السياسة" وسألوا بعض المصريين عن معنى "فصل السلطات" فلم يجب إلا اثنين.!٬ برغم أن لغة بعضهم كانت تتبنى الخطاب الثوري مثل "الجيش والشعب ايد واحدة" وغيرها٬ مما يدل أن بعض هؤلاء شاركوا أو أيدوا الثورة الديمقراطية برغم أنهم لا يعرفون ما الذي تعنيه السلطات الثلاث فضلاً عن فصلها ..!٬ وقبل ذلك شاهدت مقاطع كثيرة تقطع بأن أغلب الثوار المصريين لم يكن لهم أية تحفظات على السياسة المصرية وإنما كانوا منزعجين كثيراً بسبب لقمة العيش..!







في السعودية يبدو الخطاب الإصلاحي أكثر غربة٬ والشعب السعودي يتفاعل أكثر مع القضايا التي تتعلق بالمعيشة٬ يتفاعل مع قضايا مثل الفقر والبطالة وأزمة السكن وغلاء الأسعار..الخ٬ الشعب السعودي تفاعل مع أزمة ارتفاع أسعار الأرز أكثر من قضية المعتقلين السياسيين٬ هذه طبيعة المجتمعات - كل المجتمعات - والمجتمع السعودي ليس استثنائاً..!٬ والقضايا التي يهتم بها المجتمع السعودي وتمثل هماً جاثماً على صدره هي قضايا في غاية الأهمية٬ وأظن أني في غنى عن شرح الأضرار الهائلة التي تلحق بالمجتمع السعودي نتيجة الفقر والبطالة والعنوسة وغلاء الأسعار وبقية القضايا المعيشية..!





أؤكد على أن الفساد السياسي هو السبب المباشر في كل هذه القضايا المعيشية٬ وأتفق مع الإصلاحيين في هذا تمام الإتفاق٬ ولكن: هل يعرف المواطن البسيط الذي يبحث عن لقمة يسد بها رمق أطفاله أن الفساد السياسي هو السبب في فقره..؟٬ هل يعرف المواطن البسيط الذي لم يجد مالا ليدفع به فاتورة الكهرباء الباهضة أن الفساد السياسي هو السبب المباشر الذي جعله ينام بدون مكيف في منزل يلتهب سخونة.؟٬ هل يعرف العاطل الذي يجوب الدوائر الحكومية والشركات بملفه الأخضر بأن الفساد السياسي هو السبب في بطالته.؟٬ هل تعرف العانس التي تنتظر من يطرق الباب ويكوّن معها أسرة تملأ حياتها الموحشة بالسعادة والاستقرار بأن الفساد السياسي هو ما يحول بينها وبين أحلامها..؟٬ هل يعرف المستأجر المهدد بالطرد كل ٦ أشهر بسبب الغلاء الفاحش في الإجارات بأن الفساد السياسي هو من حرمه من تملك مسكن يستقر فيه..؟٬ هل تعرف الحامل التي تجوب المستشفيات بحثاً عن حاضنة فتنجب طفلها في السيارة بأن الفساد السياسي هو من حرمها وطفلها من العناية في أحلك الظروف..؟٬ الإجابة بكل بساطة هي لا٬ هؤلاء لا يستطيعون الربط بين قضاياهم التي تؤرقهم وتقض مضاجعهم وبين الفساد السياسي الذي هو السبب المباشر في كل آلامهم..!





إذن لماذا يصر الخطاب الإصلاحي على أن يكون نخبويا ويلوم المواطن البسيط بأنه لم يفهمه.؟٬ من قال بأن المواطن البسيط يمتلك من الوقت أو الإهتمام ما يقرأ به مقالات تستخدم لغة نخبوية منغلقة وأحياناً استعراضية وهي لا تلامس أبسط همومه بحسب تصوراته.؟٬ ثم على من تقع مسؤولية توعية المجتمع بحقوقه؟٬ اليست على النخبة المثقفة وعلى الإصلاحيين بشكل أخص؟٬ فلماذا يحمّل الخطاب الإصلاحي المجتمع مسؤولية عدم وعيه بحقوقه فيما يصر على أن يكون خطاباً نخبويا.؟





لا ينكر منصف جلالة الخدمات ورسالية الأهداف التي يرنو إليها الخطاب الإصلاحي٬ بل لا ينكر منصف أن الخطاب الإصلاحي ضحى كثيراً في سبيل خدمة المجتمع وحقوق المواطن٬ لكن عندما تكون كل هذه التضحيات الكبيرة لا يسمع صداها في داخل المجتمع فثمة خلل كبير في الخطاب يجب أن يعالج!٬ من منا ينكر البون الشاسع بين ما يلاحظه في مواقع التواصل الإجتماعي وبين ما يشاهده بمجرد أن يطوي شاشة الحاسوب وينخرط في واقعه الذي يعيشه.؟٬ من منا يستطيع أن ينكر حجم الألم الذي يكوي كبده وهو يشاهد ضحية الفساد السياسي يستميت دفاعاً عمن ظلمه وتسبب في معاناته.؟٬ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يصاب الإصلاحي بالإحباط وهو يدافع عن الضحية فيما الضحية نفسها تدافع عن الجلاد؟٬ اليس هذا الإحباط اعترافاً ضمنيا بأن الخطاب الإصلاحي لم يصل للمجتمع بالشكل المطلوب.؟٬ ألا يكشف هذا غربة وعزلة الخطاب الإصلاحي عن المجتمع.؟٬ فلماذا يكون الخطاب الذي نذر نفسه لخدمة الشعب وضحى في سبيلها بكل هذه التضحيات غريباً ومنعزلاً عن الشعب نفسه..؟٬ فتش عن النخبوية..!






.

هناك تعليق واحد:

  1. الفرق واضح بين التوعية الميسرة للحكومة التي شوهت التعليم والتربية في المدرسة والمسجد واستخدمت وسائل الإعلام لصنع هذا الواقع القبيح، وبين التوعية التي تحاربها الحكومات وتلاحق من يقوم بها بالاتهامات وبالاعتقالات. إذن لا عجب أن يكون وضع المواطنين كما ذكرت بين جهل وقصر نظر واهتمام بسفساف الأمور. ولذلك قل أتباع بعض المرسلين المؤيدين بالمعجزات الظاهرة والبراهين الواضحة.

    ردحذف